موسى الهادي ، إنّما الغرض الإلماح إلى ما كان عليه من خلاف سيرة أبيه حتى في تعامله مع القضاة ، فإنّه عندما تولى عزل شريك بن عبد الله ـ المتقدم ذكره أيام المهدي ـ عن القضاء ، ولم تطل مدّته فتولى الخلافة هارون الرشيد.
ـ وهذا ـ يعني هارون الرشيد ـ كان أطول زماناً في الحكم ، وأوعى في الإدارة ، وكان حال العلماء في عصره كحالهم في عهد آبائه ، فمنهم المهزوز الداني الوضيع الذي قد يتزلّف إليه برواية الأحاديث الموضوعة ، حسب ما يهواه ، ولم نجد شيئاً منها في جدّه ابن عباس ، ومنهم من يترفع عن التقرب إليه ويأبى الإنصياع لشهواته ، وإذا ابتلي بأمر عنده قال كلمة الحق لا تأخذه في الله لومة لائم.
ومن النمط الأوّل كان أبو البختري وهب بن وهب أكذب البرية ، كما يصفه علماء الجرح والتعديل ، ومن أكاذيبه ما ذكره وكيع في ( أخبار القضاة ) بسنده عن عبد الله بن مالك ، قال : ( كنت عند هارون ودخل أبو البختري ، فقال : يا أمير المؤمنين حدثني جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه رفعه ، قال : إذا كان يوم القيامة يؤخذ للناس القصاص إلاّ من بني هاشم ، فلمّا خرج ، قال هرون : لولا أنّ هذا قد كفانا بعض ما يُهمنا من أمر المدينة لم أكن أقبله ، يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مجلسي ) (١).
أقول : ما أشبه الليلة بالبارحة! فأبو البختري يكذب للرشيد ولا يعاقبه على كذبه ، كما كان غياث بن إبراهيم يكذب للمهدي في
____________________
(١) أخبار القضاة ٣ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣.