حديث السبق بالحمام فأكرمه وهو يعلم كذبه ، ولم يتخذ إجراءاً ضدّه ، وكم لهما من نظير.
ولا يعني هذا أن لا نجد في هذا النمط من الكذّابين المتزلفين من لا يمرون بساعة من صحوة الضمير ، فيقولوا كلمة حق عند سلطان جائر ، فيسمعها في ساعة رضا فيغضي عنه حين سماعها ولا يحقدها عليهم كما مرّ في خبر شريك مع المهدي.
فقد روى ابن أبي الحديد : ( قال أبو البختري وهب بن وهب القاضي : كنت عند الرشيد يوماً ، وأستدعى ماءاً مبرّداً بالثلج ، فلم يوجد في الخزانة ثلج ، فأعتذر إليه ، وأحضر إليه ماءاً غير مثلوج ، فضرب وجه الغلام بالكوز ، وإستشاط غضباً ، فقلت له : أقول يا أمير المؤمنين وأنا آمن؟ فقال : قل ، قلت يا أمير المؤمنين قد رأيتَ ما كان من الغِيَر بالأمس ـ يعني زوال دولة بني أمية ـ والدنيا غير دائمة ولا موثوق بها ، والحزم أن لا تعوّد نفسك الترفّه والنعمة ، بل تأكل اللين والجشب ، وتلبس الناعم والخشن ، وتشرب الحار والقار ، فنفحني بيده ، وقال : لا والله لا أذهب إلى ما تذهب إليه ، بل ألبس النعمة ما لبستني ، فإذا نابت نوبة الدهر عدت إلى نصاب غير حوار ) (١).
وقد ذكر الغزالي في كتابه ( مقامات العلماء بين يدي الخلفاء والأمراء ) نماذج صالحة للإستشهاد على وجود من يأبى عليه دينه ممالاة الحاكمين على باطلهم ، كما أنّه يوجد في الصف المقابل ممن
____________________
(١) شرح النهج لابن أبي الحديد ١ / ١٢١ ـ ١٢٢ ط الأولى بمصر.