باع دينه ودنياه وآخرته لقاء مرعى خسيس في ظلال الحاكمين.
فمن ذلك مثلاً مقام الأوزاعي وأبي يوسف بين يدي هارون الرشيد :
( سأل هرون الرشيد الأوزاعي عن لبس السواد؟ فقال : لا أحرّمه ولكن أكرهه. قال : ولم تكرهه؟ قال : لأنّه لا تجلا فيه عروس ، ولا يلبي فيه محرم ، ولا يكفن فيه ميّت.
فالتفت إلى أبي يوسف ، فقال : ما تقول في السواد؟ فقال : النور في السواد يا أمير المؤمنين ، يعني أنّ الإنسان ينظر بسواد عينه. فاستحسن الرشيد قوله ، فقال : وفضيلة أخرى يا أمير المؤمنين ، قال : وما هي؟ قال : لم يكتب كتاب الله عزوجل إلاّ به. فاهتز الرشيد لقوله ذلك وأجازه ) (١).
فهذا النموذج جمع بين المنكِر للمنكَر ، وبين الآمر به ، وهكذا هم دائماً وعاظ السلاطين ، وإذا عرت أحَدهم صحوة ضمير في يوم ما فقال كلمة حق عند سلطان جائر ، تذكر له ويشكر عليها ، كما في حديث أبي يوسف المار ذكره.
وقد قال الغزالي في كتابه الآنف الذكر ( مقامات العلماء بين يدي الخلفاء والأمراء ) في خبر عن أبي يوسف مع هارون رواه المبرّد ، عن أبي يوسف : ( أنّه حضر عند الرشيد يوماً ، فقدّم من الطعام ما يحتاج إلى ملعقة ، وصاحب المائدة غفل عنها ، فغضب الرشيد على الرجل ، فقال أبو يوسف : يا أمير المؤمنين روي عن جدّك أبي العباس عبد الله بن
____________________
(١) مقامات العلماء بين يدي الخلفاء والأمراء / ٩١.