من مصائب الدهر أنّ فرق المسلمين اختلفت في كلّ شيء حتّى في الله سبحانه وتعالى ، وقد رأيت أنّ بعض فرق المسلمين تؤكّد بما ليس فيه شك أنّ الله في السماء ، جسم يرى يوم القيامة ، بل حتّى في المنامات ، وأنّه يصعد وينزل ويضحك (١) ، وأنه جالس على العرش فوق سماواته وإلى غير ذلك من الأوصاف.
وكنت في مدينتي « قابس » أعرف صديقا متشيّعا كان يقول لي أنّه فيما مضى كان منضمّا إلى جماعة « الدعوة والتبليغ » الشهيرة ، وكنت ـ يقول ذاك الصديق ـ كثيرا ما ألازمهم لحسن أخلاقهم وروحيّتهم العالية ، وكنّا ربّما اعتكفنا في مسجد مقام الصحابي المعروف في مدينتنا « أبي لبابة الأنصاري » (٢) حيث كنّا نصوم النهار ونحيي اللّيل ، وكنّا نتناوب العبادة ساعتين ساعتين حيث ننام ونستيقظ وعندما ، يحين الثلث الأخير من اللّيل ـ يسترسل صاحبنا ـ نهرع إلى ساحة المسجد مسرعين مشتاقين رافعين رؤوسنا وأيدينا إلى السماء الصافية المزدانة بنجومها ويشتد دعاؤنا ومناجاتنا ويحمى الوطيس ، فالله تعالى في أقرب منازله إلينا في
_____________________
١) أنظر : سنن ابن ماجة ١ / ٦٤ ، العقيدة الواسطية لابن تيميّة.
٢) هو الصحابي الأنصاري « بشر بن عبدالمنذر » المعروف بأبي لبابة وله عندنا مقام جليل ، وهو الذي ربط نفسه في سارية المسجد إلى أن نزلت فيه آية قبلت توبته.