كان لنا جار في عقده الخامس من العمر ، مشهور بقوّته البدنيّة حيث زاده الله بسطة في الجسم ، ولا زلت أذكر كيف كان يمازحني وأنا طفل صغير فيرفعني بيديه في الهواء حتّى يكاد قلبي ينخلع. كان رجلا فاضلاً يحبّ الناس ويُحبّه الناس. إلى أن دهى حيّنا خبر غير متوقّع حيث هزّت حادثة قتله كلّ أبناء الحي ، وكان سبب موته أنّ أخا له طعنه في حقل نخيل لهما بآلة حادة تستعمل لقطع جريد النخل الزائد.
طفق الناس يترحّمون على هذا الشخص وعباراتهم مُفعمة بالأسى والأسف وينكرون غدر أخيه ، حيث ما كان ليقدر على أذاه لو لم يأخذه على حين غرّة ، وكثيراً ما ردّد أهل الحي هذه الجمل : « رحمه الله ، مكتوب عليه القتل » ، وكانوا يردّدون مثلا شائعا عندنا وهو : « رزقك يأتيك وأجلك تذهب إليه ».
كان كلامهم يفهمني ويشعرني أنّ المسألة كلّها لا تعدو أن تكون قضاءاً محتوما وقدرا لا مفرّ منه ، فكنت أقول في نفسي : إذا كان الأمر جبرا وفعلاً من الله تعالى فما ذنب ذلك الأخ القاتل ؟!
لم يمض وقت طويل حتّى حدثت حادثة أخرى ،
حيث أقدمت امرأة شابة في مقتبل العمر على الانتحار ، فخلّفت لوعة في نفوس الناس خاصّة وأنها تركت طفلين صغيرين في عمر الزهور. وكان سبب إقدامها