كنتُ واقفاً بجانب دكّان والدي عشيّة أحد الأيّام ، وفجأة وفي بداية الشارع الطويل لحيّنا لاحَ لي أحد معارفي القدماء ، لقد ميّزته ببدنه الممتلىء وقدّه القصير نسبيّاً ، بدأ يقترب شيئاً فشيئاً ثم مال إلى حافة الطريق حيث كنتُ واقفاً ، حيّاني بابتسامته البريئة ثمّ مدّ يده مصافحاً لي ... :
أين أنت يا ولد ...؟ قالها مستفسراً عن قلّة ظهوري وطول غيابي عنه.
قلت له : مشغول يا أخي ، زد على ذلك أنّ فصل الشتاء مُفرّق للجماعات حيث نهاره قصير لا يسمح للإنسان بأنْ يكون له برنامج عريض للزيارات واللقاءات.
ثمّ سألته عن أحواله ؟
فأجاب بأنّه يستعدّ لأن يسافر إلى فرنسا ليُكمل دراسته العلميّة هناك ؟
ثم بلا مقدمات أدار وجهة الكلام إلى مسألة التاريخ الإسلامي ، وقال لي : إنّ التاريخ الإسلامي يحتاج إلى إعادة دراسة وتحقيق ، فقد عشنا طول أعمارنا نردّد ما كُتب لنا وما خطّه الأولون دون دراية أو تحقيق حتّى صارت أشياء كثيرة عندنا من المسلّمات.