كنت أتطلّع إلى سقف المسجد الخشبي وإلى المراوح الكهربائيّة المثبتة فيه لتلطيف جوّ المسجد المكتظّ بالمصلّين في صفوف متناسقة ، كنت منشغلاً عن إمام الجمعة وهو يعتلي المنبر الخشبي الجميل ذو الدرجات ، وهو ممسك بعصى طويلة بيده اليمنى.
كانت تلك أول صلاة جمعة أحضرها وأنا صبيّ مع والدي الذي ألححتُ عليه لكي يأخذني معه إلى هذا التجمّع الأسبوعي الهائل ، كان كلّ شيء جديد بالنسبة لي ، فهذا ستار خشبي متشابك يرتفع بطول قامة الفرد يفصل مابيننا وبين المكان المخصّص للنساء ، وجرارُ الماء الصغيرة المنتشرة على طول صفوف المصلّين أمام صواري المسجد العديدة وكان يملأها كلّ أسبوع رجل كهل في أواخر العقد الخامس من عمره طلباً للثواب.
أنهى الإمام خطبتيه ونزل عن المنبر فارتفع الأذان ثلاث مرات متتالية تمهيداً لصلاة الجمعة التي صلّيناها ، ثمّ أردفناها بصلاة العصر بعد استراحة قصيرة قام فيها بعض خدام المسجد بجمع المال لتوسعة الجامع الكبير (١).
_____________________
(١) الجامع الكبير تمييزاً له عن بقيّة المساجد العديدة التي لا تقام فيها جمعة وهو عادة أقدم وأشهر المساجد في كل مدن تونس.