خرجت من المسجد بعد إنهاء الصلاة وكنت ملازماً لأبي لكثرة المصلّين ، ففوجئت بجموع المتسوّلين وهم يتبارون في عرض عيوبهم وعوزهم ، فهذا أعمى وذاك أعرج وأخرى أرملة وهذا الولد يتيم ... ، كانت تلك الجمعة الأولى ، تلتها جمعات ... وإذا بي أنشد إلى تلك الأجواء الروحية العالية.
عالم جديد ألِجُه بكلّ شوق وحبّ واستطلاع ، إلى أن صارت حياتي كلّها مسجداً ، فما كانت تفوتني من الصلوات اليومية في ذلك المسجد إلاّ صلاة الصبح حيث كان المانع منها صغر سنّي فما كان يسمح لي بالخروج في تلك الساعة المبكّرة.
كانت تُقام في مسجدنا في الحيّ العتيق من المدينة دروس يلقيها علينا بعض المشايخ كنت أحضرها أحياناً ، وكان يشدني فيها تلك الحكايات عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وسيرته وإخلاص الصحابة وتفانيهم في خدمة الله ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتسابقهم على التبرّك بفضلة وضوءه وبصاقه الشريف ، وكان الحديث يدور أحياناً حول قصص الأنبياء والرسل عليهمالسلام وماجرى لهم مع قومهم من محن وشدائد.
كنت بمجرّد سماع هذه القصص أحفظها من ألفها إلى ياءها وأعود لأحكيها لأهلي وأرحامي وأصدقائي ، فتارة أحدّثهم عن جود أبي بكر الصدّيق ، وأخرى عن الفاروق وشدّته في ذات الله ، ومرّة أحدّثهم عن إنفاق عثمان ذي النورين ، وثانية عن الصحابي المنافق ثعلبة (١) الذي كان
_____________________
١) هو ثعلبة بن حاطب الأنصاري.