كان الفصل شتاءاً ، وكنت أستغلّ فترة مابعد الغروب لأقوم بجولة في أطراف المدينة ، حيث أشعر بالأنس في تلك الأوقات حيث تأخذني قدماي في جولة هادئة ، وتذهب بي مخيّلتي بعيدا محلّقة نحو أفق سحري ، فأطير بعيدا عن رتابة الواقع وأمشي وأمشي حتّى أشعر أنّني قطعت شوطا كبيراً في جولتي ، وأشعر بلفح نسمات باردة فأميل إلى إحدى المقاهي حيث غالباً ما ألتقي بأحد شباب حيّنا فنخوض في موضوعٍ مَا ، وكثيرا ما ينضمّ إلينا بعض الأصدقاء ليشاركوننا الجلسة ، وكانت هكذا جلسات فرصة لي للخروج من رتابة الدروس ولإعادة البعض من الحيويّة الضرورية لمواجهة التحضير لامتحان آخر السّنة الذي كان آخر عقبة للدخول إلى الجامعة.
كنت في أكثر الأحيان ألتقي بصديق الدراسة القديم ـ المتشيّع ـ حيث كنت أشتاق إلى مجالسته لخفّة ظلّه والروح الساخرة التي كان يتميز بها ، فضلا عن أنّه شدّني إليه لما يحمله من أفكار جديدة عليَّ لم أتعوّد على سماعها من قبل ولكلّ جديد لذّة كما يقولون.
في إحدى جلساتي معه وجدته أحضر كتاباً
كبيراً ذو غلاف أحمر قاني وكان قد وضعه أمامه على الطاولة ، نظرت إلى العنوان فإذا به « صحيح مسلم » وقد كتب بحروف مذهّبة ، وكتبت عبارة « أصحّ الكتب بعد كتاب