صاحب السّابقة يموت وحيدا شريدا في صحراء الرّبذة ، ومعاوية لا يموت إلاّ وهو يلعب مع جواريه وخصيانه بالدّولة الإسلامية العريضة من المشرق إلى المغرب.
وليس عسيراً بعد ذلك على معاوية بما يملك من مال وبطش أن يجعل من نفسه كاتب الوحي (٢) ، وخال المؤمنين (٣) ، بل حتّى هادياً مهديّا (٤) وأن يضع الفضائل الزائفة فيمن أحبّه ، وأن يلعن وينتقص من أبغضه (٥).
وليس عجيبا بعد أن ترى في حكّام اليوم الذين يحكمون بلدانهم لفترات محدودة أن يحرّفوا التاريخ ويقرّبوا من شاؤوا ويبعدوا من شاؤوا حتّى يصبح أحدهم الربّ الأعلى على سيرة فرعون ، وكلّهم كمعاوية مجتهدون مخطئون لهم أجر واحد ، والبركة في المضيرة لمن يشتهيها والسّيف لمن يخافه !.
ومن يدري فلعلّ ماكيافيلّي اطلع على تاريخنا وبنى على سيرة معاوية مدرسته الفكريّة ، من يدري ؟!
_____________________
١) ولا ندري متى كتب الوحي وقد أسلم يوم الفتح في أواخر حياة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟
أنظر : صحيح مسلم : فضائل الصحابة فضائل أبي سفيان ٤ / ١٩٤٥ ، مسند أحمد ٤ / ٢٢٦ حديث رقم ٢٦٥١.
٢) لأنّه أخو أم حبيبة زوجة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والتي أبغضت أباها كما أبغضت أخاها.
٣) في حديث مزعوم عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « اللّهم اجعله هادياً مهديّا وأهد به ! » أنظر صحيح الترمذي ٦ / ١٥٧ حديث ٣٨٤٢.
٤) كأمره لوعّاظه في طول البلاد وعرضها بلعن علي بن أبي طالب على المنابر واستمرّ ذلك إلى ٧٠ سنة. أنظر : تاريخ الطبري حوادث سنة ٥١.