ما زلت أذكر تلك اللّيالي الشتويّة الطويلة التي كنت أقضيها طائرا بخيالي وأنا ابن ستّ سنين مستمعاً بشوق لأساطير طالما سردتها علينا عجائز ونساء من أقربائي. كانت أساطير عن الغول والقزم والعفاريت والشجعان ، وكانت تلكم الأساطير أهمّ وسائل الترفيه وقضاء الوقت ، خاصّة في تلك اللّيالي الشتوية الطويلة ، تحت نور المصباح الزيتي الخافت وقرب موقد الجمر الذي كان يدفىء لنا غرفة السهر في بيت عمّي ، حيث كانت كؤوس الشاي تدار على الحاضرين والجمع منصت للراوية الذي كانت حكاياته تبدو بلا نهاية ، ولربّما كان يزيد فيها من خياله وذوقه الشيء الكثير.
كنت وقد وهبني الله تعالى حافظة قويّة لا أنسى كلمة واحدة من تلك الأساطير والحكايات العجيبة ، ولطالما تمنّيت بشوق وانتظرت على أحرّ من الجمر قدوم عجوز معروفة بأساطيرها لزيارة بيت عمّي والمبيت عندنا حتّى تسرد لنا ممّا في ذاكرتها من حكايات. ولقد كنت أتوسّل إلى العجائز من أرحامي أن تحكي لنا قصّة كانت قد احتفظت بها في ذاكرتها منذ عهد صباها.
كانت أياماً حلوة حقّاً ، فبعد العودة
من المدرسة ، وبعد ممارسة بعض الأعمال الزراعيّة وتفقّد الأغنام ، نعود إلى البيت عندما يبدأ الظلام