ثمّ استرسل قائلاً : « مشكلة البعض هو أنّهم كالحمار يحمل أسفارا ، نعم هم يعرفون العربية لكن لا يفقهون من فنّها وبديعها قليلا ولا كثيرا ، ولو تنظر في تاريخ العرب والألفاظ العربية لوجدت أنها تستعمل المجاز والكناية دائما أبدا ، أليس يقال مثلا : إنّ فلاناً ـ الملك أو الأمير أو الخليفة ـ بسط يده على البلاد ؟! فهل كانت يده طويلة جداً حتّى بسطها في طول البلاد وعرضها ؟!
أو قد يقال في بعض البلاد : جلس الأمير أو الملك على العرش يوم كذا أو سنة كذا ، لكن لا يُقصد بذلك أنّه جلس على كرسيّه الخشبيّ ، فقد يكون في ذلك اليوم الذي تولّى فيه الحكم واقفا طول اليوم يتقبّل التّهاني والتّبريكات ، أو قد يكون راكبا متوجّها لتسلّم مقاليد الأمور ، القصد طبعا هو أنّ فلاناً الحاكم تسلّط على المقاليد يوم كذا من سنة كذا وليس هو الجلوس البسيط السّاذج.
إذا فهمت هذه الأمور فارجع إلى قوله تعالى : ( الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) (١) ، والاستواء يعني قدرته تعالى ، أي أنّه ممسك بزمام السماوات والأرض يقهرها بقدرته ويصرّفها بحكمته ، ولهذا قال مالك بن أنس لمّا سُئل عن هذه الآية : « الإستواء معلوم والكيفُ مجهول والسّؤال بدعة ».
ثمّ لا تنظر بعد في زعمهم أنّ الله في السماء بمعنى الفوقية والعلوّ المادي لأنّه مردود بصريح القرآن ، حيث يقول تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي فِي
_____________________
١) في الحديث « الكرسي موضع قدمي الله والعرش لا يقدّر قدره ؟! ». أنظر : مستدرك الحاكم ٢ / ٢٨٢ ، كتاب التفسير تفسير آية الكرسي.