قلت : إنّه صحابي جليل وقد بشّره الرسول وأمه وأباه بالجنة لشدة ما لاقوا من العذاب والتنكيل ، حتّى قتل أبوه وأمه أمام ناظريه ، وأنه تحت وطأة التعذيب : « هُبل ، هُبل » وذكر آلهة قريش بخير.
قال صديقي مقاطعاً : لقد ارتد عمّار إذن ؟!
قلت : يا أخي إنّ الضرورات تبيح المحظورات ، ورفع عن الأمة ما لا يطيقون.
قال : هذه هي التقية بعينها ورأسها.
قلت : كيف ذلك ؟!
قال : عمّار كان يُبطن الإيمان ولكن أظهر الكفر بلسانه خوفا من الموت ، ولو كان الظاهر خلاف الباطن عموما يُفسّر بأنه نفاق لكان عمّار منافقا حاشاه ، وقس على هذا كثير من القضايا ، ولهذا نزل قوله تعالى : ( مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (١).
وهناك في القرآن نظائر أخرى لهذه الآية تصبّ في معنى واحد ، مثل قوله تعالى : ( لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ... ) (٢) ، وقوله تعالى : ( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ... ) (١) ، فهل كان
_____________________
١) سورة النحل : ١٠٦ ، وأنظر تفسير ابن كثير ٢ / ٦٠٩ ، تفسير الدر المنثور للسيوطي ٥ / ١٧٠ ـ حيث يقول : وأمّا عمّار فقال لهم كلمة أعجبتهم تقية ـ تفسير الكشاف للزمخشري ٢ / ٤٣٠ ، تفسير الطبري ١٤ / ١٢٢ ، تفسير القرطبي ١٠ / ١٨٠.
٢) سورة آل عمران : ٢٨.
٣) سورة غافر : ٢٨.