فلما كان بعد ثلاثة أيام من وصولي البصرة ، جلست عند أصحاب الكتب فاذا أنا بأبي العباس ابن كشمرد راكب في موكب عظيم والامراء من خلفه ، وقد خرج أمير البصرة استقبله ، والجند بين يديه ومن خلفه ، والعساكر محدقة به وهو وأمير البصرة يتسايران ، فلما رأيته قمت إليه فلما ابصر بي نزل عن دابته ووقف علي ، وقال : يا فتى كيف عملت حتى تخصلت؟ فحدثته ما صنعت من كتبتي ما كان في الرقعة بالماء على كفي ، وغسلت بالماء يدي ، ما كنت كتبت عليها قبل أن رميت رقعته.
فقال لي : أنا وأنت من طلقاء أمير المؤمنين صلوات الله عليه؟ فقلت : نعم ومضى حتى نزل في دار أعدت له ، وحمل إليه أمير البصرة الهدايا واللباس والآلات والدواب والفرش وغير ذلك ، فلما استقر في موضعه ارسل إلي فدخلت عليه ، وأقمت عنده أياما وأحسن إلي ، وحملني مكرما إلى بلدي.
فعجب أبو وائل من ذلك وقال : يا أبا المفضل أنت صادق في حديثك ولقد اتفق لك ما أكده ، فهذه الرقعة معروفة بين أصحابنا يعملون بها ويعولون عليها في الامور العظيمة والشدائد ، والرواة فيها مختلفة ، لكني أوردت ما هو سماعي ببغداد وقد ذكر شيخنا الموفق أبوجعفر الطوسي رحمهالله في كتاب المصباح ومختصر المصباح ايضا أنها تكتب وتطوى ، ثم تكتب رقعة أخرى إلى صاحب الزمان عليهالسلام وتجعل الرقعة الكشمردية في طي رقعة الامام عليهالسلام وتجعل في الطين وترمى في البحر أو البئر يكتب :
بسم الله الرحمن الرحيم إلى الله ، سبحانه وتقدست اسماؤه ، رب الارباب وقاصم الجبابرة العظام ، عالم الغيب ، وكاشف الضر ، الذي سبق في علمه ما كان وما يكون ، من عبده الذليل المسكين ، الذي انقطعت به الاسباب ، وطال عليه العذاب وهجره الاهل ، وباينه الصديق الحميم ، فبقي مرتهنا بذنبه ، قد أوبقه جرمه ، وطلب النجا فلم يجد ملجأ ولا ملتجأ غير القادر على حل العقد ، ومؤبد الابد ، ففزعي إليه واعتمادي عليه ، ولا لجأ ولا ملتجأ إلا إليه.