ـ « عدها علي ثانية ، أقصد! .. كرر ما قلته .. ، هذه الجملة ، أعد علي ذكر الخبر .. الصديق .. ».
قال :
ـ « قال : .. وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلاّ كاذب » (١).
بدت على وجهي علامات الدهشة ، لم أستطع أن أكبح تلك الافرازات التعبيرية التي جعلت ترتسم وببساطة فوق محياي ، لم يكن بوسعي أن أتلافى نظراته ، كان يحسن الالتفات إلي ومراقبتي بحذر ، بيد أنّه ما كان بميسوره الاستمرار بذلك ، كأنّه ما كان يحب التطفل على غلبة مشاعري وحرب عواطفي مع قوى العقل التي جعلت تطحن وبشراسة كُلّ مقاليد الأُمور لتنسحب بعد أن تخلف في القلب كُلّ شاغر من الأماكن التي له أن يحتلها فيما بعد وبكُلّ بطولة وحماسة! قد شعرت بأن كياني كلّه كان يأخذ بالركوع ، بالسجود لكُلّ هذه القيم والمبادئ ، بل لكُلّ هذه المعلومات والأخبار ، إنّها شرسة بقدر ما كانت وفي الوقت نفسه عظيمة ، رائعة ، باردة كبرودة أيام الربيع الطيبة ، ودافئة كدفء أوائل أيام الشتاء! إلاّ أنّي كنت أرتب أوراقي على عدم الانسحاب من جولات الصراع الفكري هذا ، إلاّ وأنا راضي الوجدان ، مرتاح الضمير والبال ، هادئ الأعصاب ، ساكن الخلائج حتّى أركن إلى نقطة أُخرى فأنطلق من عندها بعدما يتيح لي الوقت متسعاً كافياً كيما أختزن ما وجدته هذه المرة! ولقد شعر بضرورة متابعة الحديث ، فعمد إلى المواصلة ، وقال :
ـ « .. وقال كذلك : واللّه إنّي لأخوه ووليّه ، وابن عمّه ووارث علمه ، فمن
____________
(١) الخصائص العلوية للنسائي ، المستدرك ٣ : ١١٢ ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ٥ : ٤٠.