قرارتها ، فمضت رؤوسها في الهواء ، ورست أصولها في الماء ، فأنفد جبالها عن سهولها وأساخ قواعدها في متون أقطارها ومواضع أنصابها ، فاشهق قلالها ، وأطال انتمازها ، وجعلها للأرض عماداً ، وأرزها فيها أوتاداً فسكنت علىٰ حركتها أن تميد بأصلها أو تسيخ بحملها ، أو تزول عن مواضعها فسبحان من أمسكها بعد موجان مياهها ، واجمدها بعد رطوبة أكنافها ; فجعلها كحلقة مهاداً ، وبسطها لهم فراشاً ، فوق بحر لجي راكد لا يجري ، وقائم لا يسري تكر كره الرياح العواصف وتمخضه الغمام الذوارق ، إن في ذلك لعبرة لمن يخشىٰ ).
الشيعة وعلم النحو واللغة
إن الاهتمام باللغة العربية وأصولها ليعتبر خير دليل علىٰ حب الإسلام والسعي لخدمته ، وإيصاله إلىٰ الآخرين بطريقة يسهل عليهم استيعابه وفهمه ، لأنه متىٰ تم حصول الإدراك لأساليب اللغة فإن فهم أي سفر يصير ، مسيّرا كما أنّها تصير مفتاحاً له والعكس صحيح ; إذا تم جهل هذه الأساسيات والعلوم لكانت الدراسة صعبة ممتنعة. فقام الشيعة من أجل صيانة هذا الكنز الإسلامي الثمين ، وخصوصاً بعد شيوع اللكن في القرآن فكانت أمس الحاجة إلىٰ ضبط قواعد اللغة (١). فقام المحبون للإسلام والراغبون في الحفاظ عليه بوضع قواعد نحوية من أجل صيانة القرآن الكريم. وكان أول من قام بذلك هو أبو الأسود
______________
(١) جرجي زيدان تاريخ آداب اللغة العربية : ١ / ٢١٩.