وقد أسلفنا سابقاً قولا لابن خلدون علىٰ ان التاريخ مجرد نظر وهذا النظر لن يكون حاصل إقناع إلّا إذا أُعيدت صياغته بطريقة صحيحة عبر إجلاء المسلمات المختلقة ، كي نصل إلىٰ مادة تعني الحقيقة وتعيها عبر تقييم الحقائق السياسية ، والاجتماعية والأخلاقية ; ومنه يصبح رفض التاريخ يصبح سائغا وربما واجباً (١) ، بحيث نصل في الأخير إلىٰ اقتناع ينفي هذا الشك ، علماً أن شكنا هذا هو من باب إحلال النفس علىٰ الحقائق الثابتة والراسخة تاريخياً.
كما أن منهج التشكيك هو منهج يؤدي إلىٰ الاطمئنان القلبي وحصول اليقين وهو مثبت في القرآن الكريم علىٰ لسان إبراهيم عليهالسلام إذ قال تعالىٰ : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) (٢) ، وقول إبراهيم ـ وهو نبي ـ لم يكن من قبيل التشكيك الناتج عن عدم الإيمان ، بل كان طلباً للوصول إلىٰ الحقيقة المطلقة ، ورسالة إلىٰ الآخرين يكون إيمانهم عن اقتناع.
ويقول العلامة الطباطبائي في تفسير ( لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) مطلوبه عليهالسلام من هذا السؤال حصول الإطمئنان المطلق وقطع منابت كل خطور قلبي واعراقه [ ... ] فقد ظهر : أن وجود الخطورات المنافية للعقائد اليقينيّة لا ينافي الايمان والتصديق دائماً ، غير أنها تؤذي النفس ، وتسلب
______________
(١) المصدر السابق.
(٢) البقرة الآية : ٢٦٠.