هكذا يمحص ابن كثير الرواية والحدث التاريخي بطريقة لا علاقة لها بالمؤرخ وليته وقف عند ذكر الحدث فحسب بل أنه حاول نفي الرغبة الخفية للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لتثبيت فكرته.
ويسترسل ابن كثير في ذكر أحاديث يدعو فيها الرسول أبا بكر وابنه عبد الرحمٰن ويكذب وصيّة تنص علىٰ أبي بكر ، وهذا مسلك الراسخين علىٰ حد قوله.
إن عملية النقد التاريخي لا تكون بهذه السذاجة لأن الأحداث هي بمثابة جزئيات مختزلة من التيار الزماني ، قابلة أن تكون أسباباً في حاجة إلىٰ نتائج او نتائج في حاجة لأسباب ، وصاحب الأمر في هذه القضية هو المؤرخ الذي يسمي الأشياء ، فيقول هذه سابقة وهذه لاحقة بالنظر إلىٰ قضية مطروحة مجموعة من الشواهد يقابل مجموع من الأحداث المذكورة المحفوظة (١). إذن هل سطر ابن كثير النتائج ؟ وهل حدد أسباب النتائج ؟
الجواب : كلا ، لأنّ عملية التأريخ عنده لم تكن إلّا حالة من محاولات الانتصار المذهبية العقيمة التي لا تفيد العلم في شيء بقدر ماهي محاولات لتكريس التخلف.
وهذا لم يكن بمحض الصدفة ولكن هو نتاج المنهج العلمي والمذهبي الذي تبناه ابن كثير ، فما هو الّا أحد المخلصين لاستاذه ابن
______________
(١) انظر : عبد الله العروي ، مفهوم التاريخ : ١ / ٨٢.