مما لم يذهب إليه أحد ( فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَاَلْأَعْنٰاقِ ) فجعل يمسح مسحا فالأكثرون أي يمسح بالسيف بسوقها وأعناقها ، يعني يقطعها وهذا بعيد ، لأنه لو كان المسح بالسوق والأعناق هو القطع لكان القائل إذا قال : مسحت رأس فلان ويده فهم منه أنه قطعها ولكان معنى قوله ( وَاِمْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) (١) القطع بل لو قيل مسح رأسه بالسيف فربما فهم منه ضرب العنق ، فأما إذا لم يذكر السيف فإنه لا يفهم منه الضرب والقطع البتة ، على أن قوله : مسح عنقه بالسيف لا يفيد القطع إلا على سبيل المجاز. فكيف إذا ترك ذكر السيف؟
فإذا عرفت التفسير زعمت الحشوية أنه عليه السلام غزا أهل دمشق فأصاب ألف فرس فقعد يوما بعد ما صلى الأولى على كرسيه واستعرضها فلم تزل تعرض عليه حتى غفل عن صلاة العصر ، أو عن ورد كان له من الذكر وقت العشى ، حتى غربت الشمس وهو المراد من قوله تعالى (توارت بالحجاب) ثم استرد الخيل ، وهو المراد بقوله (ردوها علي) ثم عقرها تقربا إلى اللّه تعالى وهو المراد بقوله ( فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَاَلْأَعْنٰاقِ ).
واعلم أن هذه الحكاية مع أنه لا دلالة عليها البتة ففي الآية ما ينافيها من وجوه خمسة :
( الأول ) أنه تعالى وصف سليمان عليه السلام في مقدمة الآية بأن اللّه تعالى وهبه لداود عليه السلام في معرض الإكرام (٢) وذلك ينافي أن يعقب ذلك بذكر أن سليمان كان تاركا للصلاة وبأنه أواب حال ما
__________________
١ ـ سورة المائدة ، آية ٦.
٢ ـ بل وقوله « نعم العبد » من أدل الدلائل على أن من أبعد الامور أن يشغل بالدنيا وحبها عن ذكر اللّه وطاعته.