( وأما الثاني ) وهو أنه تائب ، فقد أجاب من جوّز الصغيرة بأن التوبة تجب من الصغائر كما تجب من الكبائر ، فإن الصغيرة إذ لم يتب منها صاحبها صار مصرا عليها والإصرار على أي ذنب كان كبيرة.
وأما من لم يجوز الصغيرة فقد أجاب بأن التوبة قد تحسن ممن لم يذنب قط على سبيل الانقطاع إلى اللّه تعالى والرجوع إليه ، ويكون وجه حسنها استحقاق الثواب بها ابتداءً. والذي يدل عليه أنا نقول :
« اللهم اجعلنا من التوابين » (١) فلو كان حسنها مسبوقا بفعل الذنب لكان ذلك سؤالا لصيرورتنا مذنبين ، وأنه لا يجوز.
( وأما الثالث ) فهو ارتكاب المنهى ، فالجواب أنا نقول : لا نسلم أن النهي للتحريم فقط ، بل هو مشترك بين التحريم والتنزيه وتفسيره أن النهي يفيد أن جانب الترك راجح على جانب الفعل.
فأما جانب الفعل فهل يقتضي استحقاق العقاب أو لا يقتضي؟ فذلك خارج عن مفهوم اللفظ وإذا كان كذلك سقط الاستدلال.
سلمنا أن النهي للتحريم لكنه ارتكبه ناسيا لقوله تعالى : ( فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) (٢) وحينئذ لم يكن ذنبا لأن التكليف مرتفع عن الناسي ، ولقائل أن يقول : لا نسلم أنه ارتكبه ناسيا. والدليل عليه قوله تعالى : ( مٰا نَهٰاكُمٰا رَبُّكُمٰا عَنْ هٰذِهِ اَلشَّجَرَةِ إِلاّٰ أَنْ تَكُونٰا مَلَكَيْنِ ) (٣) وقوله ( وَقٰاسَمَهُمٰا إِنِّي لَكُمٰا لَمِنَ اَلنّٰاصِحِينَ ) (٤) وكل ذلك يدل على أنه
__________________
١ ـ ورد « اللهم اجعلني من التوابين » وهذا قسم من حديث الوضوء ، رواه الترمذي عن عمر.
٢ ـ سورة طه الآية ١١٥.
٣ ـ سورة الأعراف الآية ٢٠.
٤ ـ سورة الأعراف الآية ٢١.