ما نسي النهي حال الإقدام على ذلك الفعل ، وأيضا فلأنه لو كان ناسيا لما عوتب على ذلك الفعل ، ولما سمي بالعاصي ، فحيث عوتب عليه دل على أنه ما كان ناسيا ، وأما قوله تعالى : ( فَنَسِيَ ) ففيه إثبات أنه نسي وليس فيه أنه ما نسي سلمنا أنه لم يكن ناسيا ولكنه اخطأ في الاجتهاد وذلك لأن كلمة ( هذه) في قوله : ( وَلاٰ تَقْرَبٰا هٰذِهِ اَلشَّجَرَةَ ) (١) قد يراد بها الإشارة إلى الشخص وقد يراد بها الإشارة إلى النوع كما في قوله عليه الصلاة والسلام : « هذا وضوء لا يقبل اللّه الصلاة إلا به » (٢) فآدم عليه الصلاة والسلام اشتبه الأمر عليه فظن أن المراد هو الشخص فعدل عنه إلى شخص آخر إلا أن المجتهد إذا أخطأ في الفروع لم يكن صاحب كبيرة.
لا يقال : كلمة ( هذه ) لما احتملت الأمرين كان البيان حاصلا في ذلك الوقت لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وإذا كان البيان حاصلا لم يكن آدم عليه السلام معذورا في ذلك الخطأ لأنا نقول : لعل البيان كان حاصلا بطريق غامض خفي فالمخطئ فيه معذور.
( وأما الرابع ) وهو أن اللّه تعالى سماه ظالما فقد أجاب عنه من يجوز الصغيرة بأن كل ذنب يأتي به المكلف كبيرا كان أو صغيرا فهو ظالم لنفسه. وأما من لم يجوزها فأجاب بأن ترك الأولى ظلم ، لأنه لما كان متمكنا من فعل الأولى حتى يستحق به الثواب العظيم فلما تركه من غير موجب فقد ترك حظ نفسه ومثل هذا يجوز أن يسمى ظالما لنفسه ، لأن حقيقة الظلم وضع الشيء في غير موضعه وهاهنا كذلك.
( وأما الخامس ) فالجواب عنه : أنه محمول على الصغيرة أو على ترك الأولى وتقديره ما تقدم.
__________________
١ ـ سورة البقرة الآية ٣٥.
٢ ـ رواه ابن ماجه ولفظه ( هذا وضوء من لا يقبل الله منه صلاة الا به).