قال : لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة وقبلت شهادة الناس عليها ، كما رددت حكم الله وحكم رسوله أن جعل لها فدكاً قد قبضته في حياته ، ثم قبلت شهادة أعرابي ـ بائل على عقبيه ـ عليها ، وأخذت منها فدكاً وزعمت أنه فيءٌ للمسلمين ، وقد قال رسول الله : ( البينة على المدَّعي ، واليمين على المدّعَى عليه ) ، فرددتَ قول رسول الله : ( البينة على من ادعى واليمين على من ادعي عليه ).
ومن المعلوم بأن المشركين والجاهليين كانوا يعيشون في إطار أفكار خاصة بهم ، فتراهم يعترضون على النبي لعدم إدراكهم كنه الرسالة وما أتى به الرسول ، فكانوا يقولون : لِمَ لا يكون للنبي ملك عظيم ، أو ذَهَبٌ كثير ، وكيف يحيي الله الموتى ، وكيف يبعثون بعد الموت ؟ وكيف وكيف ... ؟
إنها كانت أسئلة المشركين ، وغالبها ترجع إلى أمور مادية محسوسة لا ترتبط بالغيب ، في حين أن الله أراد من المؤمنين أن يؤمنوا بالغيب ، فلا يتعاملوا مع القضايا تعاملاً مادياً بعيداً عن الغيب.
هذا وإن المصادر قد تناقلت عن أبي بكر أنه تعامل ـ في غزوة حنين ـ مع بعض المفردات الغيبيّة تعامل مادة ، فقال : ( لن نغلب اليوم من قلة ) ، فلم يرض الله ورسوله بهذه الفكرة ؛ لوجوب الإيمان بكنه المسائل والاستعانة بمدد الغيب ، ولذلك نزل قوله تعالى ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ). (١)
هذا وقد آمن بهذه الظاهرة طائفة من المسلمين ، فأخذوا يتعاملون مع الأمور تعاملاً حسياً مادياً ، ويأخذون الأمور بسطحيتها مشككين بمقامات الأنبياء
_______________________________________
١. التوبة : ٢٥.