والآن ، انظر ماذا فعل القوم بعلي والزهراء ، وكيف بهم قد جدّوا لتكذيبهما وإبعادهما عن حقوقهما بطرق ملتوية.
فأبو بكر لا يمكنه أن يكذّبها صريحاً ، بل صرح بأنها الصادقة في قولها المصدّقة في كلام بارئها ، لكنه جاء بأعذار قد تبدو للسُّذّج بالنظر البدوي السطحي أنها صحيحة ، فقال فيما قاله : يا خيرة النساء وابنة خير النساء ، أنت صادقة في قولك ، سابقة في وفور عقلك ، غير مردودة عن حقك ، ولا مصدودة عن صدقك ، ووالله ما عدوت رأي رسول الله وإني سمعته يقول : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً ولا فضة ولا داراً ولا عقاراً وإنّما نورث الكتاب والحكمة والعلم النبوة ، وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه ... إلى آخر كلام أبي بكر وقد مر عليك جواب الزهراء له.
فأبو بكر لا يمكنه أن يرمي الزهراء صريحاً بالكذب ، فتعلل بتعاليل قد تبدو شرعية ، لكن الزهراء صرَّحت بمل ء فمها حجة ودليلاً بأنه كاذب : « يابن أبي قحافة لقد جئت شيئاً فريَّاً ».
هذه هي كلمة الصدّيقة فاطمة التي يرضى
الله لرضاها ويغضب لغضبها ، وهذه الجملة تشير وبكل وضوح إلى أن فاطمة لا تقول شيئاً عن حس عاطفي أو هوى شخصي كما عرفناه من الآخرين ، إذ لا يعقل أن يوقف الله رضاه المطلق لرضا شخص تابع لأهوائه ومصالحه والعياذ بالله ، وكذا الأمر بالنسبة إلى غضبها ، وهو يعني بأن الصدّيقة فاطمة الزهراء وصلت إلى مرتبة العصمة ، ولا معنى لأن يكون رضاها هو رضى الله وغضبها غضبه إلّا هذا ، هذا من جهة ، وهذا المقام