فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، ولن ترحضوها بغسلٍ بعدها أبداً ، وأنّى ترحضون قتلَ سليل خاتم النبوّة ، ومعدن الرسالة ، وسيّد شباب أهل الجنّة ، وملاذ خيرتكم ، ومفزع نازلتكم ، ومنار محجّتكم ، ومدره سنتكم؟! ألا ساء ما تزرون ، وبعداً لكم وسحقاً! فلقد خاب السعي ، وتبّت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبُؤتم بغضب من الله ، وضُربت عليكم الذلة والمسكنة.
ويلكم يا أهل الكوفة! أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم ، وأي كريمة له أبرزتم ، وأي دم له سفكتم ، وأي حرمة له انتهكتم؟! ولقد جئتم بها صلعاء (١) عنقاء ، سوداء فقماء ، خرقاء شوهاء ، كطلاع الأرض (٢) أو ملاء السماء ، أفعجبتم أن أمطرت السماء دماً ، ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تُنظرون! فلا يستخفّنكم المهل ؛ فإنّه لا يحفزه البدار (٣) ، ولا يخاف فوت الثار ، وإنّ ربكم لبالمرصاد.
قال الراوي : فوالله ، لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون ، وقد وضعوا أيديهم على أفواههم ، ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي حتّى اخضلّت لحيته بالدموع ، وهو يقول : بأبي أنتم واُمّي! كهولكم خير [الكهول ، وشبابكم خير] الشباب ، ونساؤكم
__________________
(١) الصلعاء : الداهية. وما بعدها صفات لها في القبح والشدة.
(٢) طلاع الأرض : ملؤها.
(٣) الحفز : الحث والإعجال.