قال : وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا ، فارتدت الأنفاس وسكنت الأصوات ، فقالت : الحمد لله والصلاة على محمّد وآله الطيبين الأخيار ، أمّا بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل الختر (١) والغدر! أتبكون؟! فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنّة ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً (٢) ، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم (٣).
ألا وهل [فيكم] إلاّ الصلف (٤) والنطف (٥) ، والكذب والشنف (٦) ، وملق الإماء وغمز الأعداء ، أو كمرعى على دمنة (٧) ، أو كقصة (٨) على ملحودة ، ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.
أتبكون وتنتحبون؟! إي والله ، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً ،
__________________
(١) الختر : الخديعة بعينها ، وقيل : هو أسوء الغدر وأقبحه. وفي التنزيل العزيز : (كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) ، وفي الحديث : «ما ختر قومٌ بالعهد إلاّ سلّط عليهم العدو». (لسان العرب)
(٢) أي لا تكونوا كالتي غزلت ثمَّ نقضت غزلها ، يقال : كانت امرأة حمقاء تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار ، ثمّ تأمرهنّ أن ينقضن ما غزلن ، ولا يزال ذلك دأبها.
(٣) أي خيانة ومكراً.
(٤) الصلف : الادّعاء تكبراً.
(٥) النطف : التلطّخ بالعيب.
(٦) الشَّنَف (بالتحريك) : البغض والتنكّر.
(٧ الدمنة : ما تدمنه الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها.
(٨) القَصَّة بالفتح : بناية مجصّصة على قبرٍ. كأنها تقول : أنتم كقصّة على جيفة ، فشبّهت أجسامهم بالقصة المجصصة على الميتة.