وربما كان اقرب الي الصواب الرأي القائل ان الفلاسفة العرب آثروا الافلاطونية الجديدة لأنها مشربة بروح الديانات الشرقية كاليهودية والمسيحية ، ولذا كانت أقرب الي الاسلام من المشائية البحتة التي تقوم علي العقل وحده. والاسلام هو دين هؤلاء الفلاسفة ، ودين المجتمع الذي يعيشون فيه ولا يستطيعون ان يديروا ظهرهم له ، ولا ان يخرجوا عليه ، فهم مظطرون الي ان يبقوا علي مسافة قريبة منه لكي يتجنبوا التضييق والنقد والتنكيل والنبذ من مجتمعهم.
ولنا أن نتساءل : هل نجح الفارابي في محاولته الجمع بين افلاطون وارسطو؟ الجواب هو التالي : لم ينجح مطلقاً. والسبب واضح وهو استحالة الجمع بين النقيضين عملاً بقول المتنبي الذي كان معاصراً للفارابي ، ومن اصحاب سيف الدولة الحمداني مثله :
وما الجمع بين الماء والنار في يدي |
|
بأصعب من أن أجمع الحظ والفهما |
لقد حاول أولاً أن يوفق بين نظرتي افلاطون وارسطو الي الحياة والمجتمع والسياسة ، وهذه محاولة عقيمة ، لأن افلاطون كان خيالياً وارسطو كان واقعياً حسياً. فدعا الاول الي اقامة دولة تتألف من ثلاث طبقات هي طبقة الحكام وطبقة الجنود وطبقة العامة ، تقاب قوي النفس الثلاث : العقلية والغضبية والشهوانية ، وتفرز هذه الطبقات في الامتحانات المدرسية. وتتكون طبقة الحكام من المفكرين ، ويرأسها فيلسوف. ويعيش الحراس حياة اشتراكية في النساء والأموال ، أي انه ألغي الأسرة والملكية.