بحقائق الموجودات ، وغاية ارسطو الحق أيضاً. ولقد أصاب كل منهما الحق ولو لا ذلك لم يكن كل منهما فيلسوفاً عظيماً معترفاً به من الأجيال اللاحقة والمفكرين المتأخرين. وبما ان الحق لا يضاد الحق لذلك لا يمكن ان يكون خلاف بينهما.
وقد ذهب البعض في تعليل اعتناق الفلاسفة العرب الأفلاطونية الجديدة الي سمة من سمات العقلية العربية ، تلك السمة هي التوسط والتوفيق في الأمور. وقد دمغت هذه السمة بعض الفرق الكلامية الكبيرة كالمعتزلة والاشعرية. والمبدأ الذي انطلقت منه يتلخص في القول المشهور الذي نسب لأحدهم وهو «خير الأمور الوسط». فالمعتزلة ادعوا انهم الفرقة التي رفضت تطرف الخوارج من جهة والمرجئة من جهة ثانية ، الافراط والتفريط علي ما يقول الجاحظ. والاشعري عندما ارتد علي المعتزلة واسس مذهباً جديداً له حاول التوسط بين المعتزلة الذين افرطوا في الاعتماد علي العقل والحشوية الذين فرطوا فيه ، واعتمدوا اعتماداً كلياً علي النقل.
واذا كانت النزعة الي التلفيق والجمع والتوسط قد غلبت علي كثرة من الفلاسفة العرب وهو الكندي والفارابي وابن سينا والغزالي وابن طفيل ، فان فيلسوفاً كبيراً واحداً علي الأقل لم يستجب لها ولم يتأثر بها ، أعني به ابن رشد (١١٢٦ ـ ١١٩٨ م) ، فقد انتقدها نقداً عنيفاً ، واختار مذهباً آخر غير الافلاطونية الجديدة ، هو فلسفة أرسطو الصافية المشائية.