وحاول الفارابي ثانياً ان يوفق بين منهجي افلاطون وارسطو في البحث والتأليف ، فوجد انهما مختلفان في الظاهر ومتفقان في الغاية ، والغاية التي ابتغاها كل منهما هي التعمية والاغلاق والتعقيد. وهذا حكم بعيد عن الصواب لأنهما متباينان في النهج تبايناً كاملاً. فمنهج أفلاطون هو الحوار حيث نجد شخصين أو أكثر يتحادثان حول مسألة من المسائل الفلسفية ويتبادلان الرأي ويتناقشان. وغالباً ما يكون سقراط احدهما ، والآخر أحد المفكرين اليونان ممن يخالف سقراط الرأي. ويستمر الحوار الرشيق الشيق المثمر بينهما حتي ينتهيا الي النتيجة التي يريدها افلاطون. وقد يستعين اثناء الحوار باساطير او أمثلة خرافية كانت شائعة في عصره علي الأغلب لايضاح فكرته وليس لتعميتها وتغطيتها كما يظن الفارابي.
أما منهج ارسطو فمختلف كل الاختلاف ، انه ليس حواراً قصيصاً ، بل نثر علمي جاف ، دقيق العبارات ، يتبع مراحل أربع : في المرحلة الأولي يعين موضوع البحث «لأن الباحث الذي لا يبدأ بوضع المسألة كالماشي الذي لا يدري الي أيه جهة هو متوجه» وفي المرحلة التالية يسرد الآراء حول الموضوع ويناقشها لأن «الذي يسمع الحجج المتعارضة جميعاً يكون موقفه أفضل للحكم» ، وفي المرحلة الثالثة يسجل الصعوبات أو المشاكل التي يثيرها الموضوع ، ويعرف الصعوبة بأنها «وضع رأيين متعارضين لكل منهما حجته في الجواب عن مسألة بعينها». (أنظر كتاب الجدل من منطق ارسطو ، وكتاب ما بعد الطبيعة) وأخيراً يبحث عن حلول للمسألة التي يعالجها.