الى هذا الاعتقاد هو قلّة التمييز وخلط صناعة المنطق بالطبيعة (١) وذلك اذ ، لما هم وجدوا القياس مركّبا من مقدّمتين وثلاثة حدود : اوّل ، واوسط ، وآخر (٢) ، ووجدوا لزوم الحد الأول للاوسط ضروريا ، ولزوم الاوسط للاخر وجوديا ، ورأوا الحد الاوسط ـ وكان هو العلة في لزوم الحد الأول للاخر ، والواصل له به ـ ثم وجدوا حاله نفسه عند الآخر حال الوجود ، قالوا : اذا كان حال الاوسط الذي هو العلة والسبب في وصول الأول بالآخر حال الوجود ، فكيف يجوز ان يكون حال الأول عند الآخر حال الاضطرار؟ وانما سوّغ لهم هذا الاعتقاد ، لنظرهم في مجرّد الامور والمعاني ، وازورارهم عن شرائط المنطق وشرائط المقول على الكل. ولو علموا وتفكروا وتأملوا حال المقول على الكل وشرطه ، وان معناه هو ان كل ما هو «ب» ، وكل ما يكون «ب» ، فهو اتمّ ، لوجدوا ان هو بشرط المقول على الكل بالضرورة. ولما عرض لهم الشكّ ، ولما ساغ لهم ما اعتقدوه وايضا فان القياسات التي يأتون بها عن افلاطون ، اذا تؤمّل حقّ التأمل فيها ، وجدوا اكثرها واردا في صور القياس المؤتلف من الموجبتين في الشكل الثاني. ومهما نظر في واحد واحد من مقدماتها ، تبيّن وهن ما ادّعوه فيها. وقد لخّص الاسكندر الافروديسي معنى المقول على الكل ،
__________________
(١) يرمي الفارابي القائلين بالخلاف بين افلاطون وارسطو بالجهل بالمنطق وخلطه بالطبيعة.
(٢) القياس مركب من مقدمتين ونتيجة وليس من مقدمتين فقط. وهو يتضمن ثلاثة حدود : أكبر واوسط وأصغر. والأوسط هو الذي يصل الأكبر بالأصغر.