وانما اضطرهم الى اطلاق لفظ «الخروج» ضرورة العبارة وضيق اللغة ، وعدم لفظ يدل على اثبات القوى من غير ان يخيل الخروج الذي للاجسام. وان اصحاب ارسطوطاليس ايضا ارادوا بلفظ «الانفعال» معنى غير معنى الانفعال الذي يكون في الكيفية مع الاستحالة والتغير. وظاهر ان الشيء الذي يشبه بشيء ما ، تكون ذاته وانيّته غير المشبه به. ومتى نظرنا بعين النصفة في هذا الامر ، علمنا ان هاهنا قوة واصلة بين البصر والمبصر؛ وان من شنع على اصحاب افلاطون في قولهم ان قوة ما تخرج من البصر فتلاقي المبصر ، فان قوله ان الهواء يحمل لون المبصر ، فتؤديه الى البصر ليلاقيه مماسا ، ليس بدون قولهم في الشناعة. فان كان ما يلزم اقاويل اولئك في اثبات القوة وخروجها ، يلزم قول هؤلاء في حمل الهواء الالوان وابدائها الى الابصار. فظاهر ان هذه واشباهها معان لطيفة دقيقة ، تنبّه لها المتفلسفون وبحثوا عنها ، واضطرّهم الامر الى العبارة عنها بالالفاظ القريبة من تلك المعاني؛ ولم يجدوا لها الفاظا موضوعة مفردة يعبر عنها حقّ العبارة ، من غير اشتراك يعرض فيها. فلما كان ذلك كذلك ، وجدوا العائبون مقالا ، فقالوا : واكثر ما يقع من المخالفة انما يقع في امثال هذه المعاني للاسباب التي ذكرناها. وذلك لا يخلو من احد امرين : اما لتخلف ، واما لمعاندة. فاما ذو الذهن الصحيح والرأي السديد والعقل الرصين المحكم الثابت ، اذا لم يتعمّد التمويه او تعصّب او مغالبة ، فقلّما يعتقد خلاف ان العالم اطلق لفظا على سبيل الضرورة ، عند ما رام بيان امر غامض وايضاح معنى لطيف فلا يخلو المتبصّر له عن اشتباه توقعه الالفاظ المشتركة والمستعارة.