هي ، وما هي ، وعلى ايّ جهة كل واحد من تلك الاسباب ، وما العلامات ، وما الموانع. فمن تأمل تلك الاقاويل حق التأمل ، واعطى كل شيء حقه ، عرف ان لا خلاف بين الحكيمين في الحقيقة؛ وانما ذلك شيء يخيله الظاهر من الاقاويل عند ما ينظر واحد واحد منها على انفراد ، من غير ان يتأمل المكان الذي فيه ذلك القول ، ومرتبة العلم الذي هو منه. وهاهنا اصل عظيم الغناء في تصور العلوم ، وخصوصا في امثال هذه الموانع ، وهو انه كما المادّة ، مهما كانت متصورة بصورة ما ثم حدثت فيها صورة أخرى ، صارت مع صورتها جميعا مادة للصورة الثالثة الحادثة فيها ، كالخشب الذي له صورة يباين بها سائر الاجسام ، ثم يجعل منها الواحا ، ثم يجعل من الالواح سريرا. فان صورة السرير ، من حيث حدثت في الالواح مادة لها ، وفي الالواح ، التي هي مادة بالاضافة الى صورة السرير ، صور كثيرة ، مثل الصور اللوحية والصور الخشبية والصور النباتية وغيرها من الصور القديمة. كذلك مهما كانت النفس المتخلّقة ببعض الاخلاق ، ثم تكلفت اكتساب خلق جديد ، كان الاخلاق التي معها كالاشياء الطبيعية لها ، وهذه المكتسبة الجديدة ، اعتيادية ، ثم ان مرّت على هذه ودامت على اكتساب خلق ثالث ، صارت تلك بمنزلة الطبيعية ، وذلك بالاضافة الى هذه الجديدة المكتسبة.
فمهما رأيت افلاطون او غيره يقول : ان من الاخلاق ما هي طبيعية ، ومنها ما هي مكتسبة ، فاعلم ما ذكرناه ، وتفهمه من فحوى كلامهم ، لئلا يشكل عليك الامر؛ فظن ان من الاخلاق ما هي طبيعية