ومطلقا ، لا بحسب شيء آخر. ومن البيّن ان كل خلق ، اذا نظر اليه مطلقا ، علم انه يتنقّل ويتغيّر ، ولو بعسر ، وليس شيء من الاخلاق ممتنعا عن التغيّر والتنقّل ، فان الطفل الذي نفسه تعدّ بالقوة ، ليس فيه شيء من الاخلاق بالفعل ، ولا من الصفات النفسانية. وبالجملة ، فان ما كان فيه بالقوة ففيه تهيّؤ لقبول الشيء وضدّه. ومهما اكتسب احد الضدين يمكن زواله عن ذلك الضد المكتسب الى ضده ، الى ان تنقص البنية ويلحقه نوع من الفساد ، مثل ما يعرض لموضوع الاعدام والملكات ، فيتغير بحيث لا يتغالبان عليه. وذلك نوع من الفساد وعدم التهيؤ. فاذا كان ذلك كذلك ، فليس شيء من الاخلاق ، اذا نظر اليه مطلقا بالطبع ، لا يمكن فيه التغيّر والتبدّل (١).
واما افلاطون ، فانه ينظر في انواع السياسات ، وايّها انفع ، وايّها اشد ضررا. فينظر في احوال قابلي السياسات وفاعليها ، وايّها اسهل قبولا ، وايّها اعسر. ولعمري ان من نشأ على خلق من الاخلاق واتفقت له تقويته ، يمكن بها من نفسه على خلق من الاخلاق ، فان زوال ذلك عنه يعسر جدا. والعسر غير الممتنع. وليس ينكر ارسطو ان بعض الناس يمكن فيه التنقّل من خلق الى خلق اسهل ، وفي بعضهم اعسر ، على ما صرح به في كتابه المعروف «بنيقوماخيا الصغير» ، فانه عدّ اسباب عسر التنقل من خلق الى خلق ، واسباب السهولة ، كم
__________________
(١) يعلن الفارابي هنا أخذه برأي أرسطو وهو أن الاخلاق وليدة التربية والتعليم وليس طباعاً فطرية. ولكنه فيك كتاب «تحصيل السعادة» يقول ان الاخلاق بعضها مكتسب وبعضها طباع.