حول مسألة من المسائل. فهو يقول في الفقرة الخامسة من الكتاب إن اجماع العقول المختلفة حجة. لنسمعه يقول نه أ: «فإما ان يكون رأي الجميع أو الأكثرين ، واعتقادهم في هذين الحكيمين انهما المنظوران والامامان المبرزان في هذه الصناعة ، سخيفاً مدخولاً ، فذلك بعيد عن قبول العقل اياه وإذعانه له ، اذ الموجود يشهد بضده ، لأنا نعلم يقيناً انه ليس شيء من الحجج أقوي وانفع واحكم من شهادات المعارف المختلفة بالشيء الواحد ، واجتماع الآراء الكثيرة ، اذ العقل عند الجميع حجة». انه يقبل بحكم رأي الجميع أو الأكثرين في أن افلاطون وارسطو امامان مبرزان في الفلسفة ، ولكنه يهمل حكم الجيمع أو الاكثرين في ان بينهما خلافاً في الآراء ، ويزدريه ، ولا يعبأ به. انه يطبق قاعدة أو مبدأ هنا ولا يطبقه هناك.
انني اعتقد ان أسباب خطأ الفارابي ترجع الي ثلاثة أمور رئيسة هي : شدة اعجابه بافلاطون وارسطو ، وكتاب اثالوجيا أو الربوبية ، وتأثره بالافلاطونية المحدثة.
أما اعجابه الشديد بافلاطون وأرسطوا فواضح من النعوت التي يضفيها عليهما. انهما «الحكيمان المقدمان المبرزان» ، وهما مبدعا الفلسفة ومنشئا أصولها ومتمما فروعها وأواخرها ؛ وهما المرجع في مسير الفلسفة وخطيرها ، وما ذهبا اليه هو الحجة والحقيقة لخلوه من الشوائب والكدر ، اذ عندهما يتناهي الوصف بالحكم العميقة والعلوم اللطيفة والاستنباطات العجيبة ، والغوص في المعاني الدقيقة المؤدية في كل شيء الي المحض والحقيقة.