المخبتين لله الخائفين من شديد عقابه ، وإنما لم تثقل على هؤلاء ، لأنهم مستغرقون فى مناجاة ربهم فلا يشعرون بشىء من المتاعب والمشاق ، ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم : «وقرّة عينى في الصلاة» لأن اشتغاله بها كان راحة له ، وكان غيرها من أعمال الدنيا تعبا له ولأنهم مترقبون ما ادّخروا من الثواب فتهون عليهم المشاقّ ، ومن ثم قيل للربيع ابن خيثم وقد أطال صلاته : أتعبت نفسك ، قال راحتها أطلب ؛ وقيل : من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل ، ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية.
ثم وصف الخاشعين بأوصاف تقربهم إلى ربهم وتدعوهم للإخبات إليه. فقال : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) أي لا تثقل الصلاة على الخاشعين الذين يتوقعون لقاء ربهم يوم الحساب والجزاء ، وأنهم راجعون إليه بعد البعث فيجازيهم بما قدموا من صالح العمل.
وعبر بالظن للإشارة إلى أن من ظن اللقاء لا تشق عليه الصلاة ، فما ظنك بمن يتيقنه ، ومن ثم كان الاكتفاء بالظن أبلغ في التقريع والتوبيخ ، فكأن هؤلاء الذين يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم لم يصل إيمانهم بكتابهم إلى درجة الظن الذي يأخذ صاحبه بالأحوط في أعماله.
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (٤٧) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨))
تفسير المفردات
الشفاعة : من الشفع ضد الوتر ، لأن الشفيع ينضم إلى الطالب في تحصيل ما يطلب فيصير معه شفعا بعد أن كان وترا ، والعدل الفدية ، وأصل العدل (بالفتح) ما يساوى