مصرا من الأمصار إن كانوا يريدون ما سألوه ، لأن هذه الأرض التي كتب الله عليهم أن يقيموا فيها إلى أجل محدود ليس من شأنها أن تنبت هذه البقول ، والله تعالى لم يقض عليهم بالبقاء فيها إلا لضعف عزائمهم وخور هممهم عن أن يغالبوا من سواهم من أهل الأمصار ، فهم الذين قضوا على أنفسهم بأكل هذا الطعام الواحد ، ولا سبيل للخلاص مما كرهوا إلا بالإقدام على محاربة من يليهم من سكان الأرض الموعودة ، والله كفيل بنصرهم ، فليطلبوا ما فيه الفوز والفلاح لهم.
(وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) أي إن الله عاقبهم على كفران تلك النعم بالذل الذي يهوّن على النفس قبول الضيم والاستكانة والخضوع في القول والعمل ، وتظهر آثار ذلك في البدن ، فالذليل يستخذى ويسكن إذا طاف بخياله يد تمتد إليه ، أو قوة قاهرة تريد أن تستذلّه وتقهره ، وترى الذل والصغار يبدو في أوضاع أعضائه وعلى ظاهر وجهه.
(وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) أي واستحقوا غضب الله بما حلّ بهم من البلاء والنقم فى الدنيا ، والعذاب الأليم في الآخرة.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) أي إن ما حلّ بهم من ضروب الذلة والمسكنة واستحقاق الغضب الإلهى ، كان بسبب ما استمرأته نفوسهم من الكفر بآيات الله التي آتاها موسى وهى معجزاته الباهرة التي شاهدوها ، فإن إعناتهم له ، وإحراجهم إياه دليل على أنه لا أثر للآيات في نفوسهم ، فهم لها جاحدون منكرون.
(وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) فهم قتلوا أشعيا وزكريا ويحيى وغيرهم بغير الحق : أي بغير شبهة عندهم تسوّغ هذا القتل ، فإن من يأتي الباطل قد يعتقد أنه حق لشبهة تعنّ له ، وكتابهم يحرّم عليهم قتل غير الأنبياء فضلا عن الأنبياء إلا بحق يوجب ذلك.
وفي قوله : بغير الحق مع أن قتل النبيين لا يكون إلا كذلك ، مزيد تشنيع بهم ،