ومن ذلك تعلم أن الحجة قائمة على من ليس لهم حظ من القرآن إلا التغنّى بألفاظه وأفئدتهم هواء من عظاته ، وأعمالهم لا تنطبق على ما جاء به ، فما المقصد من الكتب الإلهية إلا العمل بما فيها لا تلاوتها باللسان وترتيلها بالأنغام ، فإن ذلك نبذلها ، قال الغزالي : وما مثل ذلك إلا مثل ملك أرسل كتابا إلى أحد أمرائه ، وأمره أن يبنى له قصرا في ناحبة من مملكته ، فلم يكن حظ الكتاب منه إلا أن يقرأه كل يوم دون أن يبنى القصر ، أفلا يستحق هذا الأمير بعدئذ العقاب من الملك الذي أرسل به إليه؟.
ثم ذكر لهم فائدة ذكره فقال :
(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي ليعدّ نفوسكم لتقوى الله عزّ وجل : ذاك أن المواظبة على العمل تطبع في النفس سجيّة المراقبة لله ، وبها تصير تقية نقية من أدران الرذائل راضية مرضية عند ربها (وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى).
(ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي ثم أعرضتم وانصرفتم عن الطاعة بعد أن أخذ عليكم الميثاق وأراكم من الآيات ما فيه عبرة لمن ادّكر.
(فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ، لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) أي فلولا لطف الله بكم وإمهاله إياكم إذ لم يعاملكم بما تستحقون ، لكنتم من الهالكين بالانهماك فى المعاصي.
والخلاصة ـ إنكم بتوليكم استحققتم العقاب ، ولكن فضل الله عليكم ورحمته أبعده عنكم ، ولو لا ذلك لخسرتم سعادتى الدنيا والآخرة.
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦))