(فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ) فقد دلت المشاهدة على أن كل أمة تفسق عن أمر ربها وتطرح أوامر دينها وراءها ظهريّا يتفرق شملها ، وينزل بها عذاب الهون جزاء فساد أخلاقها وكثرة شرورها.
أما من استقاموا على الطريقة ، وزكت نفوسهم وصلحت أحوالهم فلهم عند ربهم نعيم مقيم ، يرشد إلى ذلك قوله : «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها».
ثم زاد في الوعيد والتهديد والزجر الشديد فقال :
(وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) فهو مجازيكم على ما اجترحتم من السيئات.
ثم أكد عظيم حماقتهم وسيىء إجرامهم ، ثم شديد نكالهم على ما اجترحوا فقال : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) أي أولئك الذين آثروا الحياة الدنيا واستبدلوها بالآخرة ، فقدّموا حظوظهم في هذه الحياة على حظوظهم في الحياة الأخرى ، بما أهملوا من الشرائع ، وتركوا من أوامرها التي يعرفونها كما يعرفون أبناءهم كالانتصار للحليف المشرك ، ومظاهرته على قومه الذين تجمعهم وإياه رابطة الدين والنسب ، وإخراج أهله من دياره ابتغاء مرضاته.
(فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) يوم القيامة (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) لأن أعمالهم قد سجلت عليهم الشقاء ، وأحاطت بهم الخطايا من كل جانب ، فسدّت عليهم باب الرحمة ، وقطعت عنهم الفيض الإلهي ، فلا يجدون شافعا ينصرهم ، ولا وليّا يدفع عنهم ما حلّ بهم من النكال والوبال في جهنم وبئس القرار.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما