وأن عمّار بن ياسر في حرب صفّين قال :
غدا نلقى الأحبّه |
|
محمدا وصحبه |
فإن لم تتمنوه ، بل كنتم شديدى الحرص على هذه الحياة ، فما أنتم بصادقى الإيمان.
وهذه حجة تنطبق على الناس عامة ، فيجب على المسلمين أن يجعلوها ميزانا يزنون به دعواهم اليقين بالإيمان والقيام بحقوق الله ، فإن ارتاحت نفوسهم لبذل أرواحهم فى سبيل الله والذّود عن الدين كانوا مؤمنين حقا ، وإن ضنّوا بها وكانوا شديدى الحرص على الحياة إذا جدّ الحدّ ودعا الداعي كانوا بعكس ما يدّعون.
(وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أي ولن يقع منهم هذا التمني بحال ، لأنهم يعرفون ما اجترحته أنفسهم من المعاصي والذنوب التي يستحقون بها العقوبة كتحريف التوراة ، والكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم مع البشارة به في كتابهم.
والعرب تسند الفعل إلى الأيدى لأن أكثر الأعمال تزاول بها ، ويجعلون المراد بها الشخص.
(وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) أي والله يعلم أنهم ظالمون في حكمهم بأن الدار الآخرة خالصة لهم ، وأن غيرهم من الشعوب محروم منها.
ولا يخفى ما في هذا من التهديد والوعيد.
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) أي إنهم يحبون الإخلاد إلى الأرض ، ويعملون كل ما يوصلهم إلى البقاء فيها. فلا ثقة لهم بأنفسهم فيما يزعمون ، وتلك سيرتهم فى كل زمان وإن كان الكلام مع من كان في عصر التنزيل.
وهكذا القرآن يرسل عليهم سيلا من الحجاج ، فيشاغبون ويعاندون ، اعتزازا بشعبهم ، واغترارا بكتابهم.
(وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) أي إنهم أحرص من جميع الناس حتى من الذين أشركوا ، وفي هذا توبيخ وإيلام عظيم لهم ، إذ أن المشركين لا يؤمنون ببعث ولا يعرفون إلا هذه