السحر ، وعبر عن بيع الإيمان ببيع النفس ، لأنها إنما خلقت لمعرفة الدين والعمل به ، أي أنهم لو كانوا يعلمون حرمة السحر علما يصدر عن اعتقاد له أثر في النفس ويصدقون بما توعد به مرتكبه من العقوبة ـ لما ارتكبوه ولا أصرّوا عليه ، لكنهم خانهم هذا النوع من العلم واكتفوا بعلم مبهم لا أثر له في النفس ، فتسرب إليهم كثير من التأويل والتحريف لنصوص التوراة.
وهذا هو ما يفعل مثله بعض المسلمين اليوم ، إذ ينتهكون بعض حرمات الدين بمثل تلك التأويلات ، فيمنعون الزكاة بحيلة ، ويأكلون أموال الناس بحيلة أخرى ، ويشهدون الزور بحيلة ثالثة وهكذا.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ) أي ولو أنهم آمنوا الإيمان الحق بكتابهم ، وفيه البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم والأمر باتباعه ، واتقوا الله بالمحافظة على أوامره واجتناب نواهيه ـ لكان هذا الثواب العظيم الذي ينتظرونه من الله جزاء على أعمالهم الصالحة خيرا لهم من كل ما يتوقعون من المنافع والمصالح الدنيوية.
(لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أي إنهم ليسوا على شىء من العلم الصحيح ، إذ لو كان كذلك لظهرت نتائجه في أعمالهم ، ولآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم واتبعوه وصاروا من المفلحين لكنهم يتبعون الظن ويعتمدون على التقليد ، ومن جرّاء هذا خالفوا الكتاب وساروا وراء أهوائهم وشهواتهم فوقعوا في الضلال البعيد.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١٠٥))