(فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) أي أىّ مكان تستقبلونه في صلاتكم ، فهناك القبلة التي يرضاها الله لكم ويأمركم بالتوجه إليها ، فأينما توجه المصلى في صلاته فهو متوجه إلى الله لا يقصد بصلاته غيره ، والله تعالى راض عنه مقبل عليه.
والحكمة في استقبال القبلة ـ أنه لما كان من شأن العابد أن يستقبل وجه المعبود ، وهو بهذه الطريقة محال على الله ـ شرع للناس مكانا مخصوصا يستقبلونه في عبادتهم إياه ، وجعل استقباله كاستقبال وجهه تعالى.
(إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ) أي إنه تعالى لا يحصر ولا يتحدد ، فيصح ان يتوجه إليه فى كل مكان ، وهو عليم بالمتوجه إليه أينما كان ، فاعبدوه حيثما كنتم ، وتوجهوا إليه أينما حللتم ، ولا تتقيدوا بالأمكنة ، والمعبود غير مقيد.
وقد نزلت هذه الآية قبل الأمر بالتوجه إلى استقبال الكعبة في الصلاة ، وفيها إبطال لما كان يعتقده أرباب الملل السابقة من أن العبادة لا تصح إلا في الهياكل والمعابد ، وإزالة لما قد يتوهم من أن الوعيد إنما كان على إبطالها في الأماكن المخصوصة ، فأبان بها أن الوعيد إنما كان لإبطالها مطلقا ، لأن الله لا تحدده الجهات ، ولا تحصره الأمكنة.
(وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) فقالت اليهود : عزير ابن الله ، وقالت النصارى : المسيح ابن الله ، وقال المشركون : الملائكة بنات الله ، ولا فارق بين أن يكون هذا القول قد صدر من جميع أفراد الأمة أو من بعضها ، فإن أفرادها متكافلون في كل ما يعملون وما يقولون ، مما يعود أثره من خير أو شر إلى الجميع.
(سبحانه) تنزيها له تعالى أن يكون له ولد ، إذ هذا الولد إما من العالم العلوي وهو السماء أو من العالم السفلى وهو الأرض ، وليس شىء منهما بمجانس له عز اسمه ؛ إلى أن السبب المقتضى للولد هو الاحتياج إلى المعونة في الحياة والقيام مقامه بعد الموت والله منزه عن ذلك.