المعنى الجملي
بعد أن دعا سبحانه العرب إلى الإسلام وأشرك معهم أهل الكتاب ، لأنهم أجدر بإجلال إبراهيم واتباعه ، وفي أثناء ذلك بين حقيقة ملة إبراهيم على الوجه الحقّ لا كما يعتقده اليهود والنصارى ، ثم بيّن أن دين الله واحد على لسان النبيين جميعا ، والفوارق فى الجزئيات والتفاصيل لا تغيّر من جوهر الدين في شىء ، وقد جهل أهل الكتاب هذه الحقيقة ، فقصروا نظرهم على ما امتاز به كل دين من التفاصيل والتقاليد التي أضافوها إلى التوراة والإنجيل ، فبعد كل من الفريقين من الآخر أشدّ البعد ، وصار كل منهما يحتكر الإيمان لنفسه ، ويرمى الآخر بالكفر والإلحاد.
الإيضاح
(وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) أي وقالت اليهود : لا دين إلا اليهودية ولا يتقبل الله سواها ، لأن نبيهم موسى أفضل الأنبياء ، وكتابهم أفضل الكتب ، ودينهم خير الأديان ، ويكفرون بعيسى والإنجيل ومحمد والقرآن ، وقالت النصارى : لا يتقبل الله إلا النصرانية لأن الهداية خاصة بها ، إذ عيسى أفضل الأنبياء وكتابهم أجلّ الكتب ، ودينهم خير الأديان ، وقد كفروا بموسى والتوراة ومحمد والقرآن ، ولو صحّ ما تقولون : لما كان إبراهيم مهتديا لأنه لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ، وأنتم جميعا متفقون على أنه سيد المهتدين وإمامهم ، ومن ثمّ ردّ الله عليهم بقوله :
(قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) أي قل لهم : بل نتبع ملة إبراهيم الذي لا تنازعون فى هداه ، فهى الملة التي لا انحراف فيها ولا زيغ.
(وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي ولم يكن إبراهيم ممن يشرك بالله سواه من وثن أو صنم.