المعنى الجملي
بعد أن أبان سبحانه في الآيات السابقة أن الملة الصحيحة هى ملة إبراهيم وليست هى باليهودية ولا النصرانية ، بل هى صبغة الله التي لا دخل لأحد فيها ، وهى بعيدة عن اصطلاحات الناس وأوضاعهم ، ولكن نشأت بعد ذلك أوضاع الرؤساء فطمست ما جرى عليه الأنبياء حتى خفيت أوامرهم فيها إلى أن أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم ودعا الناس إلى الرجوع إليها ، وأرشد إلى الحق الذي عليه صلاح المجتمع في دينه ودنياه شرع هنا يبطل الشبهات التي تعترض سبيل الحق ، فلقّن نبيه الحجج التي يدفع بها تلك المفتريات.
روى أن سبب نزول هذه الآيات أن اليهود والنصارى قالوا : يجب أن يكون الناس لنا تبعا في الدين ، لأن الأنبياء منا والشريعة نزلت علينا ولم يعهد في العرب أنبياء ولا شرائع ، فردّ الله عليهم بما ستعلم بعد.
الإيضاح
(قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ ، وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ؟) أي أتدّعون أن الدين الحق هو اليهودية والنصرانية ، وتقولون حينا :
(لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) وحينا آخر تقولون : (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) ومن أين جاءكم هذا القرب من الله دوننا ، والله ربنا وربكم وربّ العالمين ، فهو الخالق وجميعنا خلقه ، وإنما يتفاضل الناس بأعمالهم ، وآثار أعمالنا عائدة إلينا خيرا كانت أو شرّا ، وآثار أعمالكم كذلك لكم على هذا النحو ، ونحن له مخلصون في أعمالنا لا نبتغى إلا وجهه ، أما أنتم فقد اتكلتم على أسلافكم من الصالحين ، وزعمتم أنهم شفعاء لكم عند ربكم مع انحرافكم عن سيرتهم ، إذ هم ما كانوا يتقربون إلا بصالح العمل وصادق الإيمان ، فاجعلوهم رائدكم وانهجوا نهجهم تنالوا الفوز والسعادة.