استعداده الذي أوتيه ، وفى هذا القدر أمرنا أن نتعاون ويساعد بعضنا بعضا كما قال تعالى (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) فنحن نحضر الدواء مثلا لشفاء المرضى ، ونجلب السلاح والكراع ونكثر الجند لغلب العدو ، ونضع فى الأرض السّماد ونرويها ونقتلع منها الحشائش الضارة للخصب وتكثير الغلة.
وفيما وراء ذلك مما حجب عنا من الأسباب يجب أن نفوض أمره إلى الله تعالى.
فنستعين به وحده ، ونفزع إليه في شفاء مريضنا ، ونصرنا على عدونا ، ورفع الجوائح السماوية والأرضية عن مزارعنا ، إذ لا يقدر على دفع ذلك سواه ، وهو قد وعدنا إذا نحن لجأنا إليه بإجابة سؤلنا كما قال : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وأرشد إلى أنه قريب منا يسمع دعاءنا كما قال : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ).
فمن يستعين بقبر ناسك ، أو ضريح عابد لقضاء حاجة له ، أو تيسير أمر تعسّر عليه ، أو شفاء مريض أو هلاك عدو فقد ضل سواء السبيل ، وأعرض عما شرعه الله ، وارتكب ضربا من ضروب الوثنية التي كانت فاشية قبل الإسلام وبعده ولا تزال إلى الآن كذلك ، وقد نهى عن مثلها الشارع الحكيم ، إذ حصر طلب المعونة فيه دون سواه ، وجعلها مقصد كل مخبت أوّاه.
وفى ذكر الاستعانة بالله إرشاد للإنسان إلى أنه يجب عليه أن يطلب المعونة منه على عمل له فيه كسب ، فمن ترك الكسب فقد جانب الفطرة ، ونبذ هدى الشريعة ، وأصبح مذموما مدحورا ، لا متوكّلا محمودا ، وكذلك فيها إيماء إلى أن الإنسان مهما أوتى من حصافة الرأى ، وحسن التدبير ، وتقليب الأمور على وجوهها ـ لا يستغنى عن العون الإلهى ، واللطف الخفىّ.
والاستعانة بهذا المعنى ترادف التوكل على الله ، وهى من كمال التوحيد والعبادة الخالصة له تعالى ، وبها يكون المرء مع الله عبدا خاضعا مخبتا ، ومع الناس حرا كريما لا سلطان لأحد عليه ، لا حىّ ولا ميت ، وفى هذا فكّ للإرادة من أسر الرؤساء والدجالين ، وإطلاق العزائم من قيود الأفّاكين الكاذبين.