تعظيم سلطان الله ، ويعلمون أنه مطّلع على سرهم ونجواهم ، إذ هم كانوا يكتفون ببعض ظواهر العبادات ، ظنا منهم أن ذلك يرضى ربهم ، ثم هم بعد ذلك منغمسون في الشرور والمآثم من كذب وغشّ ، وخيانة وطمع إلى نحو ذلك مما حكاه الكتاب الكريم عنهم ونقله الرواة أجمعون.
(يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) الخدع : أن توهم غيرك خلاف ما تخفيه لتحول بينه وبين ما يريد ، وأصله من قولهم : خدع الضبّ إذا توارى في جحره ، وضب خادع إذا أوهم حارسه الإقبال عليه ثم خرج من باب آخر.
والخدع هنا من جانب المنافقين لله وللمؤمنين ، والتعبير بصيغة المخادعة للدلالة على المبالغة في حصول الفعل وهو الخدع ، أو للدلالة على حصوله مرّة بعد أخرى ، كما يقال مارست الشيء وزاولته ، إذ هم كانوا مداومين على الخدع ، إذ أعمالهم الظاهرة لا تصدقها بواطنهم ، وهذا لا يكون إلا من مخادع ، لا من تائب خاشع.
وخداعهم للمؤمنين بإظهار الإيمان وإخفاء الكفر ، للاطلاع على أسرارهم وإذاعتها إلى أعدائهم من المشركين واليهود ، ودفع الأذى عن أنفسهم.
(وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) إذ ضرر عملهم لا حقّ بهم ، فهم يغرّون أنفسهم بالأكاذيب ويلقونها في مهاوى الهلاك والردى.
(وَما يَشْعُرُونَ) يقال شعر به يشعر شعورا : علم به وفطن ، والفطنة إنما تتعلق بخفايا الأمور ، فالشعور لا يكون إلا في إدراك ما دقّ وخفى من شىء حسى أو عقلى.
وقد نفى الشعور عنهم في مخادعتهم لله ، لأنهم لم يحاسبوا أنفسهم على أقوالهم ولم يراقبوه في أفعالهم ، ولم يفكروا فيما يرضيه ، بل جروا في ريائهم على ما ألفوا وتعوّدوا فهم يعملون عمل المخادعين وما يشعرون ، فإذا عرض لهم زاجر من الدين يحول بينهم وبين ما يشتهون ـ وجدوا لهم من المعاذير ما يسهل أمره ، إما بأمل في المغفرة ، أو تحريف في أوامر الكتاب ، لما رسخ في نفوسهم من عقائد الزيغ التي يسمونها إيمانا ، وهم في الحقيقة مخدوعون ، وعن الصراط السوىّ ناكبون.