فى الطبقات السائلة ، وقسم في الطبقات الغازية ، تشركون سائر أجزاء الحيوان والنبات فى ذلك ، ثم خلقكم في أحسن تقويم وفضلكم على غيركم بنعمة العقل والإدراك والفهم ، وتسخير جميع الكائنات الأرضية لكم.
(ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) حين انقضاء آجالكم بقبض الأرواح التي بها نظام حياتكم ، وحينئذ تنحل أبدانكم وتعود سيرتها الأولى ، وتنبثّ في طبقات الأرض وينعدم هذا الوجود الخاص الذي لها.
(ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) حياة أخرى أرقى من هذه الحياة ، وأكمل لمن زكىّ نفسه وعمل صالحا ، ودونها لمن أفسد فطرته ، وأهمل التدبر في سنن الكون ، وأنكر الإله والرسل وفسق عن أمر ربه.
(ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) للحساب والجزاء على ما قدمتم من عمل ، إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشر.
وبعد أن عدد سبحانه آياته في الأنفس بذكر المبدأ والمنتهى ـ ذكر آياته في الآفاق الدالة على قدرته المحيطة بكل شىء ، وعلى نعمه المتظاهرة على عباده بجعل ما في الأرض مهيأ لهم ومعدّا لمنافعهم فقال :
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) وهذا الانتفاع يكون بإحدى وسيلتين :
(١) إما بالانتفاع بأعيانه في الحياة الجسدية ليكون غذاء للأجسام أو متعة لها فى الحياة المعيشية.
(٢) وإما بالنظر والاعتبار فيما لا تصل إليه الأيدى فيستدل به على قدرة مبدعه ويكون غذاء للأرواح.
وبهذا نعلم أن الأصل إباحة الانتفاع بكل ما خلق في الأرض ، فليس لمخلوق حق فى تحريم شىء أباحه الله إلا بإذنه كما قال : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً ، قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ).