(لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) وهو علم محدود لا يتناول جميع الأشياء ، ولا يحيط بكل المسميات ، وهذا منهم اعتراف بالعجز عما كلّفوه ، وإشعار بأن سؤالهم كان سؤال مستفسر لا سؤال معترض ، وفيه ثناء على الله بما أفاض عليهم من العلم مع تواضع وأدب ، فكأنهم قالوا لا علم لنا إلا ما علمتنا بحسب استعدادنا ، ولو كنا مستعدين لأكثر من ذلك لأفضت علينا.
ثم أكدوا ما تقدم بقولهم :
(إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) وفي هذا الجواب منهم إيذان بأنهم رجعوا إلى ما كان يجب عليهم ألا يغفلوا عن مثله ، من التفويض لواسع علم الله وعظيم حكمته ، بعد أن تبين لهم ما تبين ، وإيماء إلى أن الإنسان ينبغى له ألا يغفل عن نقصانه ، وعن فضل الله عليه وإحسانه ، ولا يأنف أن يقول لا أعلم إذا لم يكن يعلم ، ولا يكتم الشيء الذي يعلم.
(قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) أي أعلمهم بأسمائهم التي عجزوا عن علمها ، واعترفوا بالقصور عن بلوغ مرتبتها.
وقال «أنبئهم» دون أنبئنى ، للإشارة إلى أن علمه عليه السلام بها ظاهر لا يحتاج إلى ما يجرى مجرى الامتحان ، وإلى أنه جدير أن يعلّم غيره ، فتكون له منّة المعلم المفيد ، ولهم مقام المتعلم المستفيد ، ولئلا تستولى عليه الهيبة ، فإن إنباء العالم ليس كإنباء غيره.
(فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ : أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) أي فلما أنبأهم بأسمائهم وبين لهم أحوال كل منهم وخواصه وأحكامه ، قال تعالى للملائكة : قد قلت لكم إنى أعلم ما غاب في السموات والأرض فلا أخلق شيئا سدى ، ولا أجعل الخليفة في الأرض عبثا وأعلم ما تظهرون من نحو قولكم : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) وما كنتم تكتمون من نحو قولكم : لن يخلق الله خلقا أكرم عليه منا ، فنحن أحقاء بالخلافة في الأرض.