(بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) طبع الله عليها جعلها كالسكة المطبوعة (الدراهم مثلا) فى قساوتها وجعلها بوضع خاص لا تقبل غيره : أي ليس ما وصفوا به قلوبهم هو الحق الواقع ، بل لأن الله ختم عليها بسبب كفرهم الكسبي وماله من الأثر القبيح فى أعمالهم وأخلاقهم ، فهم باستمرارهم على ذلك الكفر لا ينظرون فى شىء آخر نظر استدلال واعتبار ، مع أنه من الأمور التي يصل إليها اختيارهم ، ولكنهم لا يختارون إلا ما ألفوا وتعودوا.
(فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) أي إلا قليلا من الإيمان لا يعتد به ، لأنه تفريق بين الله ورسله ، فالكفر ببعضهم كالكفر بجميعهم ، وهم قد كفروا بعيسى ومحمد عليهما السلام.
(وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً) المراد بالكفر هنا الكفر بعيسى عليه السلام بدليل ما بعده ، وبالكفر الذي قبله الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم بقرينة قوله : وقالوا قلوبنا غلف ، والبهتان : الكذب الذي يبهت من يقال فيه : أي يدهشه ويحيّره لبعده وغرابته ، والمراد به هنا رميها بالفاحشة.
والمعنى ـ إن الله طبع على قلوبهم بكفرهم بعيسى وأمه ورميهم إياها بالكذب العظيم ، وأي بهتان تبهت به العذراء التقية أعظم من هذا؟.
والخلاصة ـ إن هذا الكفر والبهتان من أسباب ما حل بهم من غضب الله.
(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ) أي وبسبب قولهم هذا القول المؤذن بالجرأة على الباطل والاستهزاء بآيات الله.
وذكروه بوصف الرسالة تهكما واستهزاء بدعوته ، بناء على أنه إنما ادعى النبوة والرسالة فيهم لا الألوهية كما ادعت النصارى ، إذ جاء فى إنجيل يوحنا (وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته).
(وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) أي والحال أنهم ما قتلوه كما ادعوا ، وما صلبوه كما زعموا وشاع بين الناس ، ولكن وقع لهم الشبه فظنوا أنهم صلبوا عيسى