بينه الله بقوله (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) ثم بين أن فريقا منهم آمنوا إيمانا صادقا وعملوا الصالحات فأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وتوعدهم بالأجر العظيم يوم القيامة.
الإيضاح
(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) أي فبسبب ظلمهم استحقوا تحريم طيبات كانت محلّلة لهم ولمن قبلهم عقوبة وتربية لهم ، لعلهم يرجعون عن ظلمهم ، وكانوا كلما ارتكبوا معصية يحرم عليهم نوع من الطيبات وهم مع ذلك كانوا يفترون على الله الكذب ، ويقولون لسنا بأول من حرمت عليه ، بل كانت محرمة على نوح وإبراهيم فكذبهم الله فى مواضع كثيرة كقوله : «كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ».
أما الطيبات التي حرمها عليهم فهى ما بيّن فى قوله عز اسمه «وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ» الآية. وقد أبهمها الله هنا ، لأن الغرض من السياق العبرة بكونها عقوبة ، لا بيانها فى نفسها ، كما أبهم الظلم الذي كان سببا فى العقوبة ، ليعلم أن أىّ نوع منه يكون سببا للعقاب فى الدنيا قبل الآخرة.
والعقاب إما دنيوى كالتكاليف الشاقة زمن التشريع ، والجزاء الوارد فى الكتب على الجرائم كالحد والتعزير وما اقتضته السنن التي سنها الله فى نظم الاجتماع من كون الظلم سببا لضعف الأمم وفساد عمرانها واستيلاء الأمم الأخرى عليها ، وإما أخروىّ وهو ما بيّنه فى الكتاب الكريم من العذاب فى النار.
ثم بين هذا الظلم وفصله بعد ذكره إجمالا ، ليكون أوقع فى النفس ، وأبلغ فى الموعظة.
(وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً) الصدّ والصدود : المنع ، وهو يشمل صدهم أنفسهم عن سبيل الله بما كانوا يعصون به موسى ويعاندونه مرارا ، وصدّهم الناس عن سبيل الله بسوء القدوة ، أو بالأمر بالمنكر والنهى عن المعروف.