(وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) كالذين أرسلوا إلى الأمم المجهول تاريخها عند قومك وعند أهل الكتاب المجاورين لبلادك كالصين واليابان والهند وأوروبا وأمريقا.
وإنما لم يقص الله علينا خبرهم لأن القصد من القصص العبرة والتثبيت والذكرى والاحتجاج على نبوته صلى الله عليه وسلم كما أشار إلى ذلك فى قوله تعالى : «لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ» وقوله : «وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ» وكل هذا يثبت بذكر من قصهم الله علينا من الرسل ، وعلينا أن نعلم أن الله أرسل رسلا فى كل الأمم فكانت رحمته بهم عامة لا مختصة بشعب معين كما يزعم أهل الكتاب ، يرشد إلى ذلك قوله تعالى : «وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ» وقوله : «وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ» وهذه حقيقة دل عليها الدين السماوىّ ولم يكن يعلمها أهل الكتاب الذين يزعمون أن القرآن مقتبس من كتبهم ، وكم فيه من حقائق جلّاها للناظرين بجميل بيانه ، واهتدى العلم الصحيح بعد قرون خلت إلى معرفتها ، وما كان العقل وحده يكشف عنها لولا أن هدى إليها الكتاب الكريم.
(وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) خاصا له ميزه عن غيره من ضروب الوحى العام لأولئك النبيين ، وليس لنا أن نخوض فى معرفة حقيقته ، لأنا لم نكن من أهله ، على أنا لا نعرف حقيقة كلام بعضنا بعضا ، وكيف تحمل ذرّات الهواء الأصوات إلى الآذان فضلا عن أن نعرف حقيقة كلام الباري.
والوحى إلى الأنبياء يسمى تكليما ، والتكليم لهم يسمى وحيا كما قال تعالى : «وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ».
والحكمة فى الحجاب الاستعداد بالتوجه إلى شىء واحد تتحد فيه هموم النفس وأهواؤها المتفرقة كما كان شأن موسى إذ رأى النار فى الشجرة.