والجهر بالسوء أشد ضرارا من الإسرار به ، لأن ضرره وفساده يفشو فى جمهرة الناس ويعم سائر الطبقات.
(إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) أي لكن من ظلمه ظالم فجهر بالشكوى من ظلمه شارحا ظلامته لحاكم أو غيره ممن ترجى نجدته ومساعدته على إزالة هذا الظلم فلا حرج عليه فى ذلك ، فإن الله لا يحب لعباده أن يسكتوا على الظلم ، ولا أن يخضعوا للضيم ، بل يحب لهم العزة والإباء.
فها هنا تعارضت مفسدتان : مفسدة الجهر بالشكوى من الظلم بقول السوء ، ومفسدة السكوت على الظلم وهو مدعاة فشوّه والتمادي فيه ، وذاك مما يؤدى إلى هلاك الأمم وخراب العمران ، وكانت ثانيتهما أخف الضررين فأجيزت للضرورة التي تقدّر بقدرها وإذا فلا يجوز للمظلوم أن يتمادى فى الجهر بالسوء بما لا دخل له فى دفع الظلم وفى الحديث «إن لصاحب الحق مقالا» رواه الإمام أحمد.
(وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً) فلا يفوته قول من أقوال من يجهر بالسوء ولا يعزب عن علمه البواعث التي أدت إليه ، إذ لا يخفى عليه شىء من أقوال العباد ولا من أفعالهم ونياتهم فيها ، فمن جهر بالسوء الذي لا يحبه الله لعباده لضرره ومفسدته لظلم وقع عليه فالله لا يؤاخذه ، بل ربما أثابه على ذلك لإراحة الناس من شر فاعله ، فإن الظالم إن لم يؤاخذ على ظلمه يزدد فيه ضراوة وإصرارا.
(إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً) أي إن فاعلى الخير سرا وجهرا والعافين عمن يسىء إليهم يجزيهم ربهم من جنس ما عملوا ، فيعفو عن سيئاتهم ويجزل مثوبتهم ، والله من شأنه العفو وهو القدير الذي لا يعجزه الثواب الكثير على العمل القليل.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا